لا أحد
ينكر أهمية تبادل المعلومات عبر الوسائل التكنولوجية الحديثة (وفي مقدمتها الإنترنت) في حياتنا .. خاصة وأنها تجعل العالم بين أيدينا
في دقائق لتعرفنا بكل جديد في جوانب حياتنا سواء الإجتماعية أو الثقافية أو العلمية
حتى تستفيد بها الأسرة والشباب .. فهي تقدم أحدث ما أنتج في العالم في نفس الوقت
.. ولا أحد ينكر مخاطر هذه الوسائل واستغلال الكثير من الجهات المجهولة لبث الأفكار
المتطرفة البعيدة عن عاداتنا و تقاليدنا (مثل : بث روح العنف لدى الأطفال في أمريكا
.. ومافيا المخدرات وتجارة الرقيق الأبيض ..الخ ....
وكانت
صحيفة ( دى تسايت ) قد عقدت ندوة في ألمانيا بعنوان : الإسلام .. هل هو خطر علي العالم؟
شارك فيها عدد من الخبراء والأكاديميين ورجال دين وكتاب صحفيون ودبلوماسيون منهم المستشار
السابق هيلموت شميث و تيوزومر ومحمد أركون
(كاتب جزائري وأستاذ العلوم الإسلامية في باريس) وراينهارد شلاجنتيفايت (الرئيس
السابق للإدارة السياسية بالخارجية الألمانية) .. وتناولت الندوة الصحوة الإسلامية
وتزايد الاتجاهات المتطرفة الإسلامية ونظرة الغرب القاصرة عن الإسلام والمسلمين وعدم
استيعابه للمسلمين المقيمين في أوروبا وما يقال عن الحاجة إلي عدو جديد بعد انهيار
الشيوعية.
ويقول
علي عزت بيجوفيتش (رئيس جمهورية البوسنة والهرسك السابق) في كتابه الشرق والغرب
: "ينظر العالم إلي أصل الإنسان كنتيجة لعملية طويلة من التطور ابتداء من أدنى
أشكال الحياة حيث لا يوجد تمييز واضح بين الإنسان والحيوان .. بينما الدين يتحدث عن
خلق الإنسان .. والخلق ليس شيئا مستمرا وإنما فعل مفاجئ .. وسواء كان الإنسان نتاج
التطور أو كان مخلوقا فإن السؤال يظل قائما : من هو الإنسان ؟ وهل الإنسان جزء من العالم
أم شئ مختلف عنه ؟ فإذا كان الإنسان يجدع أنفه وأذنه وأصابعه بناءا علي معتقدات خرافية
فالحيوان لا يفعل شيئا من هذا .. وإذا كانت الفلسفة المادية تفكك الإنسان إلي مكونات
أجزائه ثم يتلاشى في النهاية .. لقد أخذ داروين هذا الإنسان اللاشخصي بين يديه ووصف
تقلبه خلال عملية الاختيار الطبيعي حتى أصبح إنسانا قادرا علي الكلام وصناعة الأدوات
يمشي منتصبا .. فيأتي علم البيولوجيا ليستكمل الصورة علي أساس أنها عملية طبيعية كيميائية
.. لعب بالجزيئات .. أما الحياة والضمير والروح فلا وجود لها وبالتالي ليس هناك جوهر
إنساني ذلك هو النموذج العلماني .. أي أن الإنسان لا يعيش كابن للطبيعة بل هو مختلف
ومغترب عنها وشعوره الأساسي الخوف .. وخلافا لداروين : الخير والشر والشعور بالمصيبة
والصراع الدائم بين المصلحة والضمير والتساؤل عن وجودنا كل هذا بدون تفسير عقلاني".
الدخول إلي القرن العشرين أولا :
إن المطلوب
هو الاهتمام بأن يصبح العلم أساسا متينا للمجتمع الحضاري المأمول .. ولكن السؤال هو
أين البنية العلمية الأساسية لذلك المجتمع الذي نتطلع إليه ؟ أين البناء العلمي الاجتماعي
الذي يمكن أن يستوعب ويتفاعل مع كل ما يبذل لدفع الإنسان العربي في طريق الدول المتحضرة
؟ .. إن المطلوب هو الاهتمام بالتربية العلمية وهي ليست عملية سهلة لأنها تحتاج وقتا
طويلا لنشر الثقافة العلمية والاهتمام بالتعليم الفني وزيادة النشر العلمي للباحثين
والعلماء وبث الوعي العلمي علي أوسع نطاق .. أي أننا نحتاج إلي العودة إلي علوم القرن
العشرين أولا.
الموجة الثالثة ( ثورة المعلومات) :
التي
يمر بها العالم الآن بعد أن مر من قبل بالثورة الزراعية (الموجة الأولى) ثم الثورة
الصناعية (الموجة الثانية) .. ولكن هل سيحدث انتقال تلقائي من مجتمعات تعيش في الموجة
الثانية (مجتمعات صناعية) إلي مجتمعات تعيش الموجة الثالثة (مجتمع معلومات) كنتيجة
حتمية للثورة العلمية والتكنولوجية ؟ في رأيي أن هذا الانتقال لن يتم تلقائيا لأن العلم
الذي يعد أحد قوى الإنتاج الرئيسية فيه لا تملكه إلا الدول المتقدمة خصوصا بعدما أصبح
إنتاج المعلومات وسرعة تداولها إحدى السمات المميزة لهذه المجتمعات .. أي إن الانتقال
من المجتمع الصناعي إلي مجتمع المعلومات لن يكون سهلا أو تلقائيا لأنه سيكون نتيجة
ثورة الاتصالات (وتعني البث المباشر عن طريق الأقمار الصناعية بالإضافة إلي شبكة الإنترنت
التي فتحت أمام البشر مجالات غير مسبوقة للاتصال الإنساني والمعرفة بكل فروعها والفكر
بكل آفاقه) وهذا ما يعرف بطريق المعلومات السريع.
الإنتقال يحتاج إلي رؤية استراتيجية :
لا ينبغي
أن يقر في الأذهان أن الانتقال من المجتمع الصناعي إلي مجتمع المعلومات عملية تلقائية
تحدث بشكل طبيعي ومتدرج بل إنها في الواقع ثورة كبري في السياسة والاقتصاد والاجتماع
والثقافة تحتاج إلي سياسات مترابطة تستند في صياغتها إلي رؤية استراتيجية بصيرة بآفاق
التطور الإنساني .. وقبل ذلك فهي في حاجة إلي إرادة سياسية حاسمة تصمم علي عبور الجسر
بين مجتمع الصناعة إلي مجتمع المعلومات. وإذا كان نقل المعرفة من الشمال إلي الجنوب
عملية ضرورية لتحقيق التوازن ومساعدة دول الجنوب لكي تدخل بعمق في مجال التنمية البشرية
إلا أن ذلك يستدعي من الدول العربية جهود مخططة حتى تؤتي ثمارها خصوصا تأسيس البني
التحتية وإعداد الكوادر والخبراء اللازمين لعملية نقل المعرفة وتداولها ونشرها.
ما هي الإنترنت ؟
الإنترنت
ما هي إلا سطح ثقافي (زبد ثقافي وليست خضما ثقافيا) ولاشك أن ما يكتب عن العرب والمسلمين
في الإنترنت إنما يستمد أصوله من خلفية مرجعية في كل شعب من شعوب العالم الذين يشتركون
في الإنترنت (كأفراد أو كمؤسسات أو مراكز أبحاث) . ولو قرأنا ما يكتب في الغرب (أوروبا
وأمريكا) عن العرب والمسلمين أو الإسلام لوجدنا أن التراث السابق للثقافة الأوربية
ووجهة نظر الكنيسة الغربية عن العرب والمسلمين ذات تأثير فعال تضرب بجذورها في جميع
مناحي الحياة والثقافة وبالتالي في وسائل التعبير العميقة (الكتب والدوريات) ووسائل
الإعلام السطحية (كالإذاعة والتليفزيون ووكالات الأنباء والإنترنت). ولو نظرنا في مادة
البنية التحتية لوجدناها تعبر عما يكنه رجال الفكر وصانعو السياسات وقائدو المجموعات
في المجتمعات الغربية.
كيف ينظرون للعربي ؟
ينظرون
للعربي على أنه جلف، خائن للوعد، جبان، مخادع، قذر، شهواني، مغتصب، دموي، مادي، ينظر
تحت قدميه. أما العرب عندهم فهم متنازعون، بدو ليسوا متحضرين (غير متمدينين)، أغبياء.
والعقل العربي في رأيهم عقل متخلف، منحط، سطحي، قبلي، عنصري، ضيق المدى، جزئي. والإسلام
في كتاباتهم هو إرهاب السيف، استعباد المرأة, امتهان الأطفال، احتقار الآخرين، كراهية
الغرباء. وينظرون للمسلمين على إنهم يعيشون علي وهم الماضي ولا يستندون في أحلامهم
للواقع أو القدرة علي تغييره. والثقافة الإسلامية تبدو في كتاباتهم كثقافة مادية، معادية
للحرية، منغلقة، متخلفة يغلفها الخرافة، يغذيها التعصب والكراهية لكل جديد، معادية
للعلم وللتحرر العقلي. والمساواة (حقوق الإنسان وحقوق المرأة) فهي غير موجودة بأية
صورة في المجتمعات العربية والإسلامية، ولا يطبقونها إلا بالإكراه أو الضغط أو التلويح
باستخدام القوة أو الممالئة للعالم الخارجي. ومفاهيم الحرية والديمقراطية غير مطبقة
في مجتمعات العرب والمسلمين التي يحكمها قادة مسيطرون، تتحكم الديكتاتورية في كل شئونهم،
قمع بشع للرأي الآخر، كبت للحريات خصوصا حرية الاعتقاد، نفي للمعارضين، اعتداء علي
الخصوصية الفردية، تدخل مشين في المعتقدات. والإرهاب جزء أصيل من الفكر الإسلامي ،
طبيعة غريزية في العرب من تاريخهم وتراثهم ، الأصوليون منهم إما مضطهدون ويجب حمايتهم
من البطش للتعبير عن آرائهم أو استخدامهم في الضغط علي قادتهم الديكتاتوريين. والمجتمع
المدني عند العرب والمسلمين لا يعرفون عنه شيئا، يقيمون في طريقه العقبات، يلاحقون
قادته، يضيقون علي أنشطته، لا يحترمون مبادئه ولا يعتنقون أفكاره.
الانفتاح العلمي رغم المخاطر :
إن الانفتاح
علي العالم كله صار أمر ضروريا لا يمكن التردد فيه وإن الوقاية من المخاطر والأضرار
إنما تكون بالتعاون والتكتل والوحدة يصدق ذلك بالنسبة للمشكلات ذات الطابع الاقتصادي
والتجاري والعلمي والثقافي وكذلك بالنسبة للمشكلات ذات الطابع السياسي.. ولا شك أن
هذه المشكلات والمخاطر وما تؤدي إليه من تحديات سوف تستمر في القرن المقبل .. والطريق
إلي مواجهتها ليس صعبا .. وهو ما تحاول كثير من البحوث والدراسات للوصول إليه.
إمكانيات العرب المهدرة :
أصبح
للعرب عدد من شبكات الإرسال التليفزيوني مثل الأوربيت والشوتايم وال إم بي سي وغيرها
ولكنها جميعا لا تخدم المصالح القومية العربية ولا تشرح قضايانا وإنما تهتم بالترفيه
.. وكل أفلامها وحلقاتها أمريكية .. هل يمكن أن تستغل لشرح المفهوم الصحيح للإسلام
ليعرف العالم أنه دين حق وسلام .. وأن المسلمين ليسوا إرهابيين ؟.. بل إن الدين الإسلامي
علي مر القرون كان يرعى المسيحيين واليهود .. ولم يسعد اليهود بحياة سلام واستقرار
إلا في كنف الإسلام والمسلمين ! هل يمكن أن تستغل في شرح القضايا العربية وتفهيم العالم
أن العرب أمة وحضارة وأن العربي ليس إرهابيا .. كما تصوره وسائل الإعلام التي يسيطر
عليها اليهود ؟ .
إن شبكة
الإنترنت التي أصبحت تغطي العالم يستغلها اليهود بذكاء للإساءة للإسلام وللعرب .. لماذا
لا نستغلها نحن لشرح قضايانا وشرح الإسلام وإزالة آثار الدعاية المغرضة ضد العرب وضد
الإسلام؟ .. هل سنفعل ؟ .. أتمنى ذلك !
كيف نغير الصورة ؟
إذا
كان العالم المعاصر يدعو للحرية ويدعو للمساواة ويدعو لتحرير المرأة وكرامة الإنسان
فإن هذا هو الدور المطلوب من المفكرين والباحثين ومراكز البحوث العربية والإسلامية
لتوضيح الصورة الصحيحة للإسلام والمفاهيم التي وردت في القرآن الكريم. ورغم أنه تنتشر
الآن دعوة للحوار بين الإسلام والغرب وتنشأ جمعيات وتعقد ندوات لذلك إلا أننا نرى أن
هذه الدعوة يجب أن تبدأ أولا بين المسلمين أنفسهم قبل أن تتجه للغرب وتحاوره .. كذلك
إذا كانت هناك دعوات للصراع بين الحضارات أو تصادم بينها كما يبدو في كتابات مفكرين
في الغرب .. إلا أننا نرى أن الإسلام الحق لم يعرفه أحد بعد .. وأن القرآن الكريم لم
يقرأ قراءة صحيحة (بعد الرسول عليه السلام
وعدد قليل من الصحابة) .. ومازال أمامنا شوط كبير لفهم القرآن فهما صحيحا نابعا من
نصه ومضمونه ومفسرا بمصطلحاته وألفاظه .. وتلك مهمة شاقة وهدف لو تعلمون عظيم !
مواقع جديدة علي الإنترنت :
ضرورة
إنشاء مواقع حوار علي الإنترنت مع جميع المشتركين فيها والمتعاملين معها بكافة لغات
العالم حول القضايا الهامة التي توضح الصورة الحقيقية والمفاهيم الصحيحة التي نتمنى
أن يعرفها العالم عنا .. وإدارة أوسع حوار حول قضايا المستقبل ومفاهيم السلام والتسامح
والشفافية ونزع بؤر التوتر والكراهية من النفوس وإشاعة روح المحبة بين البشر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق