الاثنين، 11 مارس 2019

فى ذكرى مئويتها .. أوراق وحكايات كتبها كفاح ودماء الشعب المصري في ثورة 1919



       بقلم / ناريمان يني : 
مائة عام مرت علي ثورة 1919 تلك الثورة الفريدة المجيدة التي خلدها التاريخ المصري لما لها من أهمية فقد جمعت جميع أطياف الشعب المصري علي قلب رجل واحد لم تكن ثورة دينية أو اجتماعية بل وطنية ...
قامت دون تدبير أو تنظيم من أحد ولم يدعو لها جماعة أو هيئة بل شملت البلاد بفطرية الوعي الوطني تهدف للإستقلال والجلاء، ولأول مرة تخرج المرأة من عزلتها وتشارك في الأعمال الوطنية كما شارك الأقباط وفتحت الكنائس لعمل إجتماعات وندوات تخص الثورة، ولم يكن نفي سعد زغلول هو السبب المباشر في إندلاعها والدليل علي ذلك عندما نفي سعد للمرة الثانية عام 1921 لم تقم آيه ثورات للإفراج عنه بل أن هناك أسباب أخري سياسية واقتصادية وعسكرية واجتماعية أدت لإنفجار هذه الثورة بالإضافة إلي تكوين الوفد، فمن الناحية السياسية توغل الإحتلال الإنجليزي في البلاد وتم إعلان الحماية البريطانية منذ الحرب العالمية الأولي وإعلان الأحكام العرفية وسعي الإحتلال وراء فصل مصر عن السودان، وفي الناحية الاقتصادية إزدهرت أعمال الأجانب في مصر بكافة مؤسساتها المالية من بنوك وغيرها وفي المقابل إنخفض سعر القطن -وكان عصب الاقتصاد المصري آنذاك- 10 ريالات وتحديد سعره ب23 ريال مما يحول دون عودة صعودة مع تراكم مديونيات الفلاحين، كما إزدهرت الحياة الاجتماعية وانتشر التعليم وقامت نهضة أدبية وفكرية وزاد الوعي الوطني إستجابة لدعوات الحزب الوطني للجهاد، أما من الناحية العسكرية فقد سيق الفلاحين والعمال المصريين للعمل بالسخرة خلال الحرب العالمية الأولي وكانوا يعاملون معاملة المعتقلين وكانت المناصب العليا تقتصر فقط علي الأجانب مما زاد من استياء الموظفين الحكوميين الذين إنضموا للثورة بعد ذلك علي غير المتوقع.
إقتراب الثورة وتكوين الوفد:


مع إنتهاء الحرب العالمية الأولي فكر ذوي الرأي في تمثيل مصر بمؤتمر الصلح الذي سيعقد في لندن لعرض المطالب المصرية في الجلاء فأتفق سعد باشا زغلول مع عبد العزيز فهمي وعلي الشعراوي وكانوا جميعآ أعضاء في الجمعية التشريعية في تأليف جماعة لمقابلة السير "ونجت" المعتمد البريطاني لأخذ ترخيص بالسفر، وبالفعل تمت المقابلة يوم الأربعاء 13 نوفمبر 1918 الساعة الحادية عشر صباحآ بفندق سافواي بشارع سليمان باشا (طلعت حرب) والذي كان مقر للقيادة البريطانية، ولمدة ساعة دارت مناقشة بينهم لم تسفر عن شئ، وعقب المقابلة تقابل الوفد بحسين رشدي باشا رئيس الحكومة في وزارة الداخلية وكان الأخير مؤيدآ لمطالب الوفد وقد أطلعهم أنه رفع خطاب إلي السلطان فؤاد بإستئذانه في السفر إلي لندن وفي ذات اليوم تقابل" رشدي" مع المندوب البريطاني حيث كشف له عن إندهاشه في أن ثلاث رجال يتحدثون عن أمة بأثرها دون صفة رسمية فأجابة "رشدي" بأن سعد هو الوكيل المنتخب للجمعية التشريعية وهي هيئة تمثل الأمة، وأبلغ "رشدي" سعد زغلول ما دار بينه وبين السير ونجت فأخذ الأخير يفكر في طريقة يعلنون من خلالها صفتهم للتحدث بأسم الأمة فأتفقوا علي تكوين هيئة سميت بأسم "الوفد المصري" وذلك إشارة لأنها وفد مصر للمطالبة بالإستقلال وبالفعل تكون الوفد يوم 13 نوفمبر ضم عدد من اعضاء الجمعية التشريعية وأتفقوا علي وضع توكيل يوقعه الهيئات النيابية وأكبر عدد من الأعيان وسائر طبقات الشعب، وطبعت التوكيلات وأنتشرت في أنحاء البلاد وقوبلت بحماس شديد خاصة وأن رشدي باشا أصدر أوامره بعدم التعرض لحركة التوقيعات، وهو الأمر الذي أزعج السلطات العسكرية الإنجليزية وأصدر مستشار وزير الداخلية البريطاني أوامره بمنع تداول هذه التوكيلات ولكنها أستمرت علي الرغم من مصادرة البعض منها.
تفاقم الأوضاع:


 في بداية مارس 1919 قبل السلطان فؤاد إستقالة حكومة حسين رشدي الذي كان قد قدمها ديسمبر 1918 إعتراضآ علي عدم السماح لهم بالسفر إلي لندن، ثم سُمح له بالذهاب إلي لندن بمرافقه عدلي باشا ولكن "رشدي" أصر علي السماح بالسفر لكل مصري يريد السفر ولم تقبل بريطانيا هذه الشروط فأصر رشدي علي موقفه مما أدي لقبول السلطان إستقالته، وكانت الإستقالة تعني تشكيل حكومة جديدة تساير أوضاع الإحتلال وأدرك الوفد خطورة الموقف فرفع خطاب إحتجاج للسلطان علي قبولة الإستقالة ولم يهتم السلطان لأمر الخطاب، وتوالت الخطابات الإحتجاجيه وأرسلت إلي معتمدي الدول الأجنبية وقام الوفد بطباعتها وتوزيعها علي المصريين وأنتشرت سريعآ حتي أنها وصلت إلي مؤتمر الصلح بلندن، كل هذه الرسائل أثارت غضب السلطات البريطانية ورأت فيها تشهير بتصرفاتها أمام المجتمع الأوربي، وفي عصر يوم 6 مارس أستدعي قائد القوات البريطانية في مصر الجنرال "وطسن" جماعة الوفد بفندق سافوي وألقي عليهم خطاب شديد اللهجة ياللغتين الفرنسية والإنجليزية وحاول البعض التحدث معه ولكنه قاطعهم وقال " لا مناقشة" وتركهم ومضي، ولكن هذه التهديدات لم توقف إحتجاجات الوفد فأرسلوا في ذات اليوم برقيه إلي لويد جورج رئيس الوزراء البريطاني يطلعوه علي الإنذار ويؤكدوا عزمهم علي الإستمرار في مساعيهم، وعلي أثر البرقية تم القبض علي سعد زغلول وثلاثة أخرون يوم 8 مارس وساقوهم إلي ثكنة قصر النيل وفي صباح الأحد 9 مارس استقلوا قطار بور سعيد الساعة الحادية عشر صباحآ ومن هناك تم نفيهم إلي مالطة، ورغم ذلك أستمرت حركة الوفد في الإعتراض وإرسال الخطابات الإحتجاجية إلي السلطان ومعتمدي الدول الأجنبية.
7 أيام من الثورة:
بدأ طلاب مدرسة الحقوق يوم الأحد 9 مارس بعمل مظاهرات سلمية هاتفين بحياة مصر والوفد وسعد وأضربوا عن تلقي الدروس، وذهبوا إلي مدرسة المهندسخانة "الهندسة" ثم الزراعة وكان كلهم بالجيزة، وسار الجميع إلي مدرسة الطب بشارع قصر العيني ثم للتجارة بشارع المبتديان وسار الجميع قاصدين ميدان السيدة زينب وأنتهي اليوم بسلام.
 ويوم الأثنين أضرب جميع الطلبة ومعهم طلبة الأزهر وقاموا بمظاهرة أنضم إليها العديد من أفراد الشعب ومروا علي المعتمدين السياسيين هاتفين بالحرية، ونزل الجنود لحماية الدوواين الحكومية وأطلفوا بعض الأعيرة النارية فوقع أول فقيد، قيد في دفتر وفيات قسم السيدة "مصري مجهول"، وتعدي بعض المندسين علي المحال المملوكة للأجانب والمرافق العامة وقطعوا الأشجار فأستاء الطلبة من هذه الأعمال وأصدروا بيان إستنكار.
ويوم الثلاثاء أضرب السائقين وتعطلت المواصلات في جميع أنحاء العاصمة وأغلقت المحال والبنوك وأمر القائد العام البريطاني بمنع التظاهرات ومحاكمة عسكرية لمن يخالف ونشر القرار بالجرائد وألصق كمنشور علي الجدران وسار الجند يطوفون الشوارع بأسلحتهم وسياراتهم المصفحة لتنفيذ الأوامر فحدث أول صدام في ميدان الحديد ووقع أول شهيد من الشباب هو الطالب " محمد البيومي".


 ويوم الأربعاء 12مارس كان الناس يسيرون مسافات شاسعة سيرآ علي الأقدام أو راكبين الحمير والكارو وتجددت المظاهرات ووقع العديد من الشهداء والمصابين أغلبهم من طلبة الأزهر، وأستمرت المظاهرات يوم الخميس كانت أكثرها في مناطق الغورية والظاهر والحلمية وشبرا ووقفت القوات البريطانية علي مداخل الوزارات والمصالح الأميرية ومحطة مصر.
 ويوم الجمعة وقعت حادثة مأسوية بالحسين فقد أتصل صيدلي بالشرطة لفض مشاجرة كانت أمام صيدلته فجاءت سيارات مصفحتان وكانت المشاجرة أنتهت فرأوا المصلين بعد صلاة الجمعة فظنوا أنهم متظاهرين ففتحوا وابل الرصاص عليهم وأودي بحياة 12 شهيد و24 مصاب، وفي اليوم التالي أضرب عمال العنابر بالسكك الحديد وكان عددهم 4آلاف عامل فتعطلت السكك الحديدية، ويوم الأحد 16 مارس أستمرت المواصلات معطلة في أنحاء البلاد ماعدا ترام شبرا – بولاق وكان الإنجليز يحموا هذا الترام لكن المصريين عكفوا عن ركوبه وأستبدلوه بالسير أو عربات الكارو ومن الطريف في هذا الأمر أن حتي الطبقات العليا كانت تركبها جنبآ إلي جانب باق طبقات الشعب ويتبادلوا الأحاديث عن الثورة، وفي هذا اليوم ولأول مرة تشترك المرأة المصرية في مظاهرات، فخرجت 300 سيدة وآنسة في صفين منتظمين يحملون أعلام صغيرة وطفُن الشوارع الرئيسية هاتفات بالحرية والإستقلال وسقوط الحماية، وعند مرورهن بشارع سعد زغلول قاصدات بيت الأمة أستوقفن جنود الإحتلال ووجهوا إليهن البنادق لمدة ساعتين حتي تقدمت إحداهن ووقفت أمام جندي وقالت له بالإنجليزية :" نحن لانهاب الموت أطلق بندقيتك في صدري لتجعلوا في مصر مس "كافل" ثانية" - كافل هي ممرضة بريطانية أعدمها الألمان بالرصاص لإتهامها بالجاسوسية- فخجل الجندي وفتح الطريق للسيدات فقدمن إحتجاجآ إلي معتمدي الدول يعربون عن إستيائهن من هذه المعاملة، وخرجت مظاهرة ثانية للسيدات يوم الخميس 20 مارس حيث إجتمعن بحديقة في جاردن سيتي ومن هناك سيرن حاملات 6 أعلام في المقدمة كتب عليها باللغتين العربية والفرنسية "نحتج على قتل الأبرياء" ، "نطلب الإستقلال التام" "إننا نحتج علي سفك دماء الأبرياء العزل من السلاح" ولما ولن لبيت الأمة حاصرهن البوليس من الساعة 11 وحتي الواحدة ظهرآ وأرسلن احتجاجات إلي سفراء الدول وجاء القنصل الأمريكي بنفسه وشاهد الحصار فذهب لفندق سافوي حيث القيادة الإنجليزية واحتج علي فظاعة هذا الحصار فصدرت الأوامر علي عجل لفض الحصار وأنصرفن السيدات.


 منتديات الثورة: وهي أماكن معروفة كان يجتمع فيها دعاة الثورة للمناقشة ورسم الخطوات اللازمة لإستكمال المسيرة، ونذكر من هذه الأماكن قهوة "ريش" بشارع طلعت حرب، و"جروبي" القديم بشارع الملكة فريدة "رمسيس"، وقهوة السلام بميدان الأوبرا، الأزهر، وبيت الأمة.
 الشرطة الوطنية: هم جماعة من المصريين تولوا حفظ النظام أثناء سير المظاهرات والإجتماعات و يضعون شارات من الشريط الأحمر كتب عليها بالقماش الأبيض "بوليس وطني" وكانوا يحملون العصي ليمنعوا إندساس الغوغاء داخل المظاهرات وحمل البعض منهم "القلل" ليسقوا من يعطش، وكان الكل يطيعهم ورغم أنهم كانوا يحمون الممتلكات، لكن السلطات العسكرية البريطانية أصدرت أوامر بمنعها في 17 أبريل 1919 بل وتوعدت بمحاكمة من ينتمي إليها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق