السبت، 28 يونيو 2025

صموئيل العشاى يكتتب .. لماذا أحب عمر سليمان؟

اللواء الراحل عمر سليمان

صورة أرشيفية لكاتب المقال مع اللواء عمر سليمان
 بقلم الكاتب الصحفى  صموئيل الشاى 

كنت من ثوار يناير. نعم، نزلت إلى الميدان، هاتفًا بالحرية، حالِمًا بدولة العدالة والقانون ...

وللحقيقة أقولها كما هي: كان بيننا الأبرار والأشرار، الشرفاء الذين أرادوا وطناً أفضل، والدجّالون الذين لبسوا ثوب الثورة ليبتلعوا الوطن ...


تبدأ حكايتي مع عمر سليمان في أعقاب جمعة قندهار، يوم الجمعة 29 يوليو 2011، حين امتلأ ميدان التحرير بحشود رفعت رايات دينية، وتوشّح بأصوات تُمجِّد دولة الخلافة وتتهم الآخرين بالكفر والخيانة. كانت الدعوة إلى هذه “المليونية” من قبل جماعة الإخوان والتيارات السلفية، في تحدٍ صارخ للاتفاق الوطني الذي أُبرم بين القوى السياسية بعدم رفع شعارات دينية داخل الميدان، حفاظًا على وحدة الصف ونسيج الأمة.


في ذلك اليوم المشحون، قيل لي صراحة: “لا مكان للأقباط في الميدان اليوم”. كانت كلمات صادمة، موجعة، كأنها طعنة في قلب حلم اسمه “الوطن للجميع”. رفضت هذا الطرح، وتشاجرت معهم. وقررت أن أقاوم بطريقتي. ذهبت إلى صديقي الدكتور محمد الباز، وقلت له بحزم: “أنا عازم على ترشيح اللواء عمر سليمان لرئاسة الجمهورية”، وطلبت منه رقم هاتف الرجل.

بدأت رحلة البحث الشاقة عن وسيلة للوصول إلى عمر سليمان، رجل الظل، ورئيس المخابرات العامة الأسبق، الذي لم يكن الوصول إليه مهمة سهلة. لم أجد رقمه لدى أحد من الزملاء الصحفيين، وكان ذلك منطقيًا؛ فأرقام قادة الأجهزة السيادية لا تُوزَّع في المقاهي. لكني لم أيأس. استثمرت كوني صحفيًا، وأطلقت حملة تحت عنوان “الجبهة الثورية لترشيح عمر سليمان لرئاسة الجمهورية”، وبدأت في كتابة بيانات ومناشدات، أوجهها للرجل نفسه، علّ صوته يأتيني أو أجد من يبلّغه ندائي.


كنت أكتب يوميًا، دون كلل أو ملل، أخاطب السياسيين والإعلاميين الكبار برسائل شبه يومية، أرجوهم أن يوصلوا دعوتي له، أن يخبروا عمر سليمان أن هناك من ينتظره، أن مصر تحتاجه، وأن الوقت لا يحتمل مزيدًا من التجريب أو المغامرة.


ستة أشهر كاملة، وأنا أكتب، أنشر، أحاور، أتحرك… كانت أيامًا ملتهبة، عرفت خلالها من الصبر ما لا يعرفه سوى المجاهدين. بدأ الإخوان يشعرون بالخطر، فدفعوا بإعلامهم لشنّ حملة ضارية ضد الرجل. قالوا إنه صديق لإسرائيل، واتهموه بالصهيونية، وزعموا أنه عدو للإسلاميين وعدو لفلسطين. كانت الافتراءات تنهال كالسيل، ولكنني لم أتوقف. بل ازددت إصرارًا، وواصلت حملتي وحدي، أكتب وأحفّز، وأشعل الحماس في النفوس.



أول شخصية بارزة تواصلت معها حينها كان الدكتور ثروت باسيلي، رحمه الله، رجل وطني من الطراز الأول، وكان يشغل آنذاك موقع سكرتير المجلس الملي، وهو مجلس كنسي، كما أنه كان من رموز الحزب الوطني المنحل. حدثته مرارًا، فكان يجيبني بهدوء أن اللواء عمر سليمان لا ينوي الترشح، ولا يسعى للسلطة.


لكنني لم أصدّق. كنت أرى ما لا يرونه. كنت أسمع وجيب القلوب الخائفة التي تبحث عن رجل دولة حقيقي، لا مهرّج سياسي، ولا تاجر دين. في تلك الأثناء، كانت القنوات المملوكة للإخوان وأعوانهم تشن هجومًا منظمًا على كل من له علاقة بالنظام السابق، وكان عمر سليمان في القلب من هذا الاستهداف.


هددني كثيرون، تلقيت عشرات الرسائل والاتصالات التي تطالبني بالتوقف. لكنني واصلت. لم أكن وحدي فقط، فقد بدأ يلتف حولي رجال من شتى المشارب، وظهر التأييد، ولو كان صامتًا. حتى داخل شباب التحرير، انقسم الرأي بين من يدعمني ويؤيد ترشيح سليمان، ومن يعارض ويهاجم بشراسة.


أتذكر جيدًا صديقي الصحفي الشهيد الحسيني أبو ضيف، زميل النضال والكلمة في جريدة “الفجر”، كان دائمًا يقول لي: “يا سامح، عمر سليمان مش هيرشح نفسه”. وكنت أضحك وأرد عليه قائلًا: “هيكون رئيس مصر، وهتكون أول مرة يبقى الرئيس صعيدي من نجع حمادي، مش من أسيوط”. ونضحك معًا في ظلال الأيام العاصفة.


المعارك الإعلامية كانت على أشدّها. كل مساء، تخرج أبواق الميديا لتصرخ: “لا نريد عسكرًا”، “نريد رئيسًا مدنيًا”، “كفى رؤساء ذوي خلفية عسكرية”… شعارات مكرّرة حفظناها عن ظهر قلب، ولكنها لم تكن تُقنع إلا من يريد أن يُخدع.


واصلت عملي داخل “الجبهة الثورية لترشيح عمر سليمان”، رغم المقاومة الشرسة التي كنت أواجهها، حتى داخل نقابة الصحفيين، حيث احتل الإخوان بعض الأدوار، بينما كنت أجلس في الدور الأرضي، بعيدًا عنهم، ولكنني كنت قريبًا من الناس، من الحقيقة، من صوت الوطن .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق